الثلاثاء، 15 مايو 2012

هل نُـظـُــم الخليج في وارد الاستدراك؟

التاريخ:4/5/2012 - الوقت: 3:29م

بقلم حسن أحمد الدقي

المفردات:
أولا: المقدمة
ثانيا: نظم الخليج خلال 30 عاما؟
ثالثا: نظم الخليج والربيع العربي؟
رابعا: الأسئلة الأشد إلحاحا؟
أولا: المقدمة
إن الحمدلله تعالى القائل: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليلعم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين)آل عمران:140
والصلاة والسلام على رسول الهدى محمد القائل: (لتتبعن سَنَنَ من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن)رواه البخاري، أما بعد:
فالشاهد في الآية الكريمة قول الله عز وجل: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) حيث أورد الإمام الطبري فيها قول قتادة: إنه والله لولا الدوَل ما أوذي المؤمنون ، ولكن قد يُدال للكافر من المؤمن ، ويُبتلى المؤمن بالكافر ، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه ، ويعلم الصادق من الكاذب.
وأما الشاهد في الحديث فهو قوله صلى الله عليه وسلم (سَنَنَ من قبلكم) فمن سلك سَنَنَ مَنْ قبلـَه فقد ضمن لنفسه الوصول إلى نفس النهايات؟ وتلكم النهايات إنما هي الذلة والمسكنة ونزع ما بأيديهم من الملك والسيطرة بدليل قوله عز وجل: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)المائدة:52
لقد خضع المسلمون والعرب على وجه الخصوص بعد الحرب العالمية الثانية ولمدة 45عاما خضوعا تاما لاتجاهات الريح في النظام الدولي دون أن يكون لهم أي تأثير حيث أعاد النصارى تشكيل وتصميم هيكلة الحكم في بلاد المسلمين بما يتوائم وتلك المرحلة من سيطرة الخمسة الكبار كما أطلق عليهم وتم تثبيت غرس دويلة اليهود بين ظهرانيهم حتى أذن الله عز وجل برياح التغيير وسنن التداول أن تسري وكان ذلك بنهاية سبعينيات القرن المنصرم ومن أبرز التحولات التاريخية التي جرت بها المقادير ظهور الخميني كمخلص للشيعة وقفزته لوراثة شاه إيران وظهور المجاهدين الأفغان على الضفة الأخرى فكان العامل الشيعي عامل تغيير إقليمي أدى إلى دولة فاطمية أوصفوية أخرى بينما وقف العالم مذهولا للتغيير الذي أحدثه المجاهدون الأفغان فقد كان تحولا عالميا اسهم في إسقاط إحدى أكبر الامبراطوريات التي عرفها التاريخ البشري ولكي يلهم التحولان كلا من الأقلية الشيعية والأمة السنية بإعادة ترتيب المعادلة الدولية بما يتناسب وأحجامهما العقدية والتاريخية.
فما هي الأدوار العملية والأدوار الزمنية التي فرضتها تلك التحولات على دول الخليج فلعبتها ضمن الحراك الدولي راضية كانت أو مكرهة حتى أسلمتها الأقدار إلى النقطة الأصعب منذ نشأتها وتأسيسها الحديث؟ وهل يؤهلها ذلك التاريخ الذي خطته بيديها لكي تستطيل في الزمن وتتجاوب مع عوامل التغيير أم أن محصلة مسيرة القرن العشرين المثقلة بهموم الأمة ومصالحها وتعدي بقية الأمم على حرماتها سوف تكشف الغطاء وتلقي المتاجرين بقضاياها إلى ساحة السقوط الحتمي كما هو حال النظام السوري اليوم؟
هذا ما سوف يكشفه قابل الأيام وفي هذا المقال سأحاول الوقوف على السياسة العامة التي حكمت أداء النظم السياسية في الخليج على المستوى العالمي والإقليمي خلال العقود الثلاثة الماضية وكذا سياستها تجاه الثورة العربية أو ما بات يعرف بالربيع العربي ثم استجلاء امكانية تعامل نظم الخليج مع التطورات الأشد خطورة في العالم؟
أولا: النظم الخليجية خلال 30 عاما؟
عقد الثمانينيات
بافتتاح العالم عقد الثمانينات من القرن العشرين كان لزاما على قادة الأمم والتي تمثل وزنا حقيقيا في العالم أن يتعاطوا مع المتغيرات الأظهر برؤية تتيح لهم إبقاء أممهم في حلبة السباق الأممي وتستجيب بذلك للتحديات التي تفرضها تلك المتغيرات وقد كان أوضح تلك التحديات ما تمثل في التحدي الاقتصادي والتقني والسياسي والثقافي والذي مثل بمجموعه تحد يقترب من تحديات الحياة أو الموت بالنسبة لأصحاب الوزن الثقيل من الأمم، ولم يكد عقد الثمانينيات يقارب على الانتهاء حتى كان العالم يشهد انقلابا في نظامه العالمي يقترب من انقلابات الحروب العظمى ولكن بحروب إقليمية هذه المرة وكان من أهم تلك الحروب على الإطلاق حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران وحرب الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي، وما يهمنا في هذا السياق أن نقف على أداء نظم دول الخليج السياسية في إدارة هذه المرحلة؟ فلم تكن نظم الخليج إلا فرق عمل تابعة للمنظومة الأمريكية في العالم التي حكمتها أربع استراتيجيات رئيسة خدمتها نظم الخليج بكل تفان وفاعلية وهي:
الاستراتيجية الأولى: المحافظة على تدفق النفط إلى الدول الغربية دون معوقات وبمعدلات مرتفعة جدا حفاظا على أسعاره المريحة للغرب في السوق وتمكينا لضخ المعدلات المطلوبة في ما تسميه أمريكا المخزون الاحتياطي الاستراتيجي من المادة الأخطر والأكثر طلبا في العالم. مما مكن أمريكا من إدارة أزمات العالم وهي مرتاحة البال بل وتكليف نظم الخليج بدفع فواتير كثير من البرامج الأمريكية حول العالم خاصة فيما يتعلق باستقرار العالم العربي ضمن الرؤية الأمريكية والأوروبية كفاتورة تبريد لبنان والتي دفعت بعدة اتجاهات من ضمنها تكاليف الجيش السوري وإقامته الطويلة في لبنان ضمن اتفاق الطائف عام1989م.
الاستراتيجية الثانية: استيعاب التغير الأخطر الذي حدث في الخليج وهو بروز الدولة الشيعية والعمل على إبقاء إيران ضمن المظلة الأمريكية وعدم التحاقها بالمنظومة الشرقية وذلك من خلال مسارين رئيسيين، فأما المسار الأول فكان من خلال تشجيع المنطقة ودفعها للدخول في حرب استنزاف متحكم في أطرها العامة وقد تجاوب النظام العراقي ونظم الخليج مع هذا الدفع وتكفل الشحن العقائدي الشيعي بتفعيله، وبينما دفع العراق فاتورة الدم فقد تكفلت نظم الخليج بدفع عوائد البترول لتغذية تلك الحرب، ويبدو أن متطلبات حرب الخليج الأولى إبقاء إيران بعيدة عن التدخل الفعال في الحرب الأفغانية الروسية لأنه وفق خرائط السياسة الجغرافية فإيران سوف تتدخل لصالح الروس ضد الأفغان بدليل تدخل الروس لصالح إيران في الحرب عندما منعوا وصول السلاح الروسي للعراق.
وأما المسار الثاني في استراتيجية الغرب لاستيعاب التمدد الشيعي فكان من خلال دفع دول الخليج لتشكيل تحالف سياسي تعاوني لعله يعوض سقوط الشاه في المنطقة وهو تشكيل منظمة دول مجلس التعاون الخليجي حيث لم تكن علاقة دول الخليج ببعضها البعض تسمح بأكثر من التعاون والالتقاء الإعلامي كلما اقتضت الحاجة.
الاستراتيجية الثالثة: توفير الحاضنة الاقليمية لصراع العمالقة الأفغان ضد العملاق الدولي (الاتحاد السوفيتي) لعل الأفغان يتمكنون من إيقاع الدب الروسي في فيتنام أفغانية هذه المرة، فلما توفرت هذه الرؤية الأمريكية لم يكن لنظم الخليج والنظام الباكستاني إلا أن يستجيب لها ويسير في ركابها مع العلم بأن الشعوب العربية والإسلامية والقوى الإسلامية الفاعلة فيها كالجماعة الإسلامية في باكستان وجماعة الإخوان المسلمين قد لعبا الدور الأبرز في دعم الجهاد الأفغاني حيث تمكنا من تشكيل بنية تحتية متكاملة من الدعم السياسي والإعلامي والمالي والإغاثي، ولو أن نظم الخليج والنظام الباكستاني وقفت عند حدود ما ينفع الأمة حسب هبوب الرياح الدولية لحُسب ذلك لها كثيرا ولكن الأدوار التي لعبتها لاحقا أجهزة استخباراتها ـ وفق الإملاءات الأمريكية ـ ومشاركتها في إفساد نتائج الجهاد الأفغاني ومآلاته الكبرى خشية تأثيره على العالم الإسلامي ودوره في إحياء الروح الإسلامية مرة أخرى، تلك الأدوار قضت على كل أمل في امكانية قيام نظم الخليج بأي دور ينطلق من ثوابت الأمة كما قضت على كل أمل بامكانية نظم الخليج في الخروج من دائرة الفلك الأمريكي ومصالحه.
الاستراتيجية الرابعة: إبقاء منطقة الشرق الأوسط ضمن فضاء المصالح الغربية وفق معادلة محددة بحيث يكون للتفوق الإسرائيلي الموقع الأبرز وإبقاء النظم السياسية تدور في الفلك الأمريكي الغربي والتعامل مع محاولات النهوض الشعبي بامتصاص حركات التغيير خاصة الحركات الإسلامية وقد لعبت أنظمة الخليج دورها ضمن هذا التوجه وكان أخطر ما قامت به دعم موقف حافظ أسد في سوريا أثناء ضربه لمحاولات الإخوان المسلمين إشعال ثورة ضد نظام حكمه كما تعاونت نظم الخليج مع بقية النظم العربية وأبرزها النظام المصري في ترتيب البيت العربي بما يتوافق والهيمنة الإسرائيلية كما حدث إبان غزو إسرائيل للبنان عام 1982م ومساعدة نظم الخليج على تشتيت المنظمات الفلسطينية وإخراجها من لبنان.
عقد التسعينيات
كان الحلم الأمريكي والرغبة الجامحة التي أبداها الأمريكان بإلغاء النظام القطبي العالمي المتعدد وتدشين مرحلة القطب الأوحد قد بلغت حدا من الضغط تسمح ببدء العمل وما كادت شمس الاتحاد السوفيتي تأذن بالأفول إلا والعم سام يبحث له عن عذر دولي لإعلان ميلاد المرحلة ولم يكن من مكان في العلم أفضل من منطقة الخليج الرخوة والمتخمة بالبترول لتدشين هذه المرحلة فكانت التمثيلية الهزلية والتي لعبت فيها نظم الخليج دور (الكومبارس) بجانب صدام حسين وفتحت تلك النظم أجواء بلادها كاملة لكي تحط وتعبر منها كل أنواع القطع العسكرية الأمريكية والغربية ولكي يرفع النصارى الصليب أول مرة في التاريخ على أرض الجزيرة العربية وعلى بعد مئات الكيلومترات من مكة والمدينة، وهنا يمكن أن نلاحظ المحطات الرئيسية التالية في هذا العقد:
المحطة الأولى: استيعاب إيران وحصار العراق بعد ضربه
فبعد موت الخميني وبروز رفسنجاني في قيادة إيران ركزت الاستراتيجية الأمريكية على امكانية استيعاب إيران ضمن نسق المنظومة الإقليمية وقد عهد لدول الخليج جزء كبير من هذه المهمة وعلى رأسها السعودية وكذلك النظام المصري خاصة في ظل صناعة عدو جديد في المنطقة وهو النظام العراقي والذي توجهت له كل سهام العداوة وقد قامت نظم الخليج بدورها في حصار العراق بأحسن ما تقضي التوجيهات الأمريكية بل والتدخل في إدارة الأزمة وترتيب البدائل كالعمل في البيئة الكردية حتى تكون منطلقا للتغيير في العراق، وفي ظل هذه السياسة التي أطلق عليها الأمريكان سياسة الاحتواء المزدوج تمدد الهلال الشيعي ووجد له حاضنة إقليمية ممتازة وكان من أكبر البرامج التي ركز عليها النظام الإيراني في ظل استراحة التسعينيات أربعة برامج رئيسة البرنامج الأول بناء المفاعلات النووية والذي بدأ عام 1995م والثاني تجهيز بدائل الحكم الشيعية للعراق والثالث ترتيب أوراق النظام النصيري السوري باتجاه وراثته والبرنامج الرابع بناء القوة العسكرية في لبنان.
المحطة الثانية: التطبيع مع إسرائيل والسعي لإنهاء الصراع
وقد سارت هذه الاستراتيجية التي رعاها الأمريكان ضمن مسارات متعددة كان من أهمها اتفاقية أوسلو والتي جاءت ردا على تسارع وتيرة الأداء الجهادي الفلسطيني فلم يكن أمام الأمريكان واليهود إلا استنساخ النظام العربي الفلسطيني لكي يؤدي واجبه فيما فشلت فيه إسرائيل وقد كان لدعم نظم الخليج وبقية النظام العربي الدور الأبرز في دعم تلك التفاقية خاصة في توفير الدعم المالي ولكن أخطر البرامج ضمن عقد التسعينيات هو التشديد على الأداء الجهادي الفلسطيني ومحاصرته ماديا وأمنيا وتجفيف منابعه خليجيا ولم تتوان نظم الخليج في أداء دورها في هذه الحلقة خاصة بعد مؤتمر شرم الشيخ الشهير عام 1996م بقيادة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون والذي تم تدشين مصطلح الإرهاب فيه، وفي هذه المحطة تواصلت دول الخليج قاطبة مع إسرائيل ضمن برنامج التطبيع سرا أو جهرا ومن لم يتلق بهم تحت الغطاء الرسمي المباشر التقاهم عبر المسارات الأخرى الأمنية والثقافية وحوار الحضارات.
المحطة الثالثة: محاصرة العمل الإسلامي بكل ألوانه وتجفيف منابعه
وبناء على مقتضيات الرؤية الأمريكية بتجفيف ومحاصرة كل أنواع التأثير الإسلامي سواء في بعده الدعوي والعلمي أو في بعده السياسي أو في بعده الجهادي فقد تسابقت نظم العرب ومنها نظم الخليج في القيام بواجباتها ضمن هذه الرؤية وخضعت نظم الخليج الأمنية وكذلك العربية لنظام زين العابدين بن علي فكان وزراء الداخلية ورؤساء أجهزة الأمن يجتمعون تحت إمرته بشكل منتظم طوال العقدين الأخيرين فتم الزج بالمشايخ والدعاة في السجون وتم غل كل المؤسسات الدعوية والإعلامية في المنطقة ومن أخطر البرامج التي طبقت في ظل هذه الرؤية ما أطلق عليه بالعمليات الأمنية القذرة والتي تهدف إلى التدخل الهيكلي في مسار الجماعات الإسلامية إما بحرفها عن مسارها وتشتيتها وإما بإعادة تشكيل قناعاتها وإما باختراقها وتوجيهها ولم تختلف سجون نظم الخليج كثيرا عما يؤديه حسني مبارك وبن علي وبشار الأسد.
ولعل من أوضح الأدوار السلبية التي لعبتها نظم الخليج تدخلها في إدارة الحراك الجهادي الذي عم شعوب المسلمين المضطهدة خلال عقد التسعينيات ومنه الجهاد في طاجيسكتان وأرتريا والبوسنة والفلبين وكوسوفا والشيشان ونتيجة لارتهان إرادة نظم الخليج للأجندة الأمريكية فقد لعبت تلك النظم أدوارا سلبية أدت إلى تشتت الأداء الجهادي وامتصاص آثاره خاصة عبر التدخل الأمني وتجفيف منابع الدعم.
المحطة الرابعة: تهميش الشعوب الخليجية وعدم استثمار الملاءة المالية لتأمين المستقبل
فقد بقيت نظم الخليج تدير المنطقة باستراتيجية ملء البطون طوال عقود دون أن تتمكن من إشراك الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبلها ودون أن يكون للشعوب أدنى دور في ترتيب شؤونها فعلى المستوى السياسي لم يسمح بأ ي نوع من الممارسة السياسية الشعبية ولم تتمكن المنطقة من الوفاء بأدنى مستوى من معايير الممارسة الديموقراطية وفي ظل تلك السياسة تم منع الناس والنخب من التعبير الحر في وسائل الإعلام ولم تتحرك النظم قيد أنملة في سد الفراغات الاستراتيجية والأمنية الضخمة التي تعانيها المنطقة خاصة مع ارتفاع المهددات فهي وكمثال على سوء الأداء انتبهت الآن إلى خطورة المد والنفوذ الشيعي في المنطقة وبعد أن دخلت إيران عهد التمدد النووي وبعد أن أسلمت نظم الخليج العراق كهدية لإيران تأتي لكي تنادي باتحاد كونفدرالي بين دول الخليج لا يسمن ولا يغني من جوع.
وأما على المستوى الاقتصادي فقد غابت كل أسس التخطيط الاستراتيجي الذي يؤمن مسارات الأمم المستقبلية ويستغل ملاءتها المالية ففي غياب الشفافية والمحاسبة على الثروات واعتبار مداخيل المنطقة من البترول مصاريف جيب للاسر الحاكمة تُعطي منه الشعوب النزر اليسير ثم وبكنز الثروة الهائلة للمنطقة فيما سمي بالصناديق السيادية المرهونة لدى النظام المالي العالمي وبتسخير تلك المدخرات في دعم المغامرات الأمريكية العسكرية والاقتصادية فإن المستقبل الاقتصادي غير واضح المعالم على أقل تقدير.
وفي غياب استثمار الملاءة الاقتصادية لتحقيق دورة اقتصادية لا يكون البترول هو كل شيء فيها ونتيجة للتركيز على التضخم العقاري كمحرك للسوق وإدخال نظام البورصات العالمي الذي ثبتت خطورته على اقتصاديات السوق وغياب التكامل الاقتصادي على المستوى العربي والإسلامي لمواجهة الفجوة الغذائية والفجوة المائية القادمة واللتان تهددان العالم تقف شعوب الخليج في مفترق طرق وليس بيدها أي رؤية للتعامل مع الوضع ناهيك عن المستقبل.
عقد العشرية الأولى
تميزت هذه العشرية بما أطلقت عليه امريكا الحروب الاستباقية والتي كان الهدف منها تأكيد السيطرة الأمريكية وتأكيد خروجها التام من النظام القطبي المتعدد وكانت 11سبتمبر والصدمة التي خلفتها على المستوى الأمريكي والعالمي هي المشجب الذي علق عليه جورج بوش وفريقه كل أسباب ذهابه لحرب (الدونكيشوت) حيث تخيل له أن ضرب أضعف الشعوب والمواقع في الأرض سوف يتيح له سيطرة كاملة عليها لكنه لم ينتبه للجينات الوراثية التي يحملها المسلمون من عقيدتهم وتاريخهم فكان حتف أمريكا وإبطال سحرها في العراق وأفغانستان.
وما يهمنا في هذا المبحث الوقوف على أداء نظم الخليج في هذه العشرية وسوف يكون التوقف بالأحداث الكبرى
حادث 11 سبتمبر وغزو أفغانستان
هو عنوان العقيدة الأمريكية الجديدة والتي لها اتجاهان اتجاه السيطرة العالمية والاتجاه الآخر هو التخويف من مستقبل المسلمين وخطورة استخدامهم للجهاد للدفاع عن أنفسهم وتحت عناوين هذه العقيدة عمل فريق جورج بوش وكان من أبرز داعميه والملتحقين به نظم الخليج ونظم العرب عموما وقد عملت أمريكا بأساليب الطغاة في تاريخ البشر عبر محاولات السيطرة على عقول الأمم ورفع شعار فرعون (ما أريكم إلا ما أرى)الآية ومن أخطر ما استخدمته الآلة الدعائية والأمنية الأمريكية ما عرف باستراتيجية العمليات القذرة ومنها السجون السوداء ورفع مستوى الانتهاكات إلى مستوى غير مسبوق من التهديد والتخويف والرمزية كرمز جوانتانامو ورمز تعرية أجساد المخالفين وانتهاك أعراضهم وتسليط برامج منتظمة من الضغوط بغية تغيير عقيدتهم وقد ساعدت نظم الخليج في هذا الاتجاه كثيرا وسخرت امكانياتها لدعم البرنامج الأمريكي حتى أظهر جورج بوش رضاه الكامل عن ذلك الأداء عندما زار المنطقة مودعا عام2007م.
كما تماهت نظم الخليج مع الاستراتيجية الأمريكية في غزوها لأفغانستان عبر عدة برامج داعمة ومنها دعم العميل الذي نصبته أمريكا في كابل ومنها تجميل وجه أمريكا القبيح بما سُمي ببرامج إغاثية تسوق للوجود الأمريكي لدى الشعب الأفغاني وتبرره.
غزو بغداد 2003م
ويعجز القلم عن وصف هذه اللحظة الزمنية الفارقة التي أظهرت مدى العجز الذي وصلت له الأمة المسلمة بملياريها وعدم قدرتها على وقف آلة القتل والدمار الأمريكي وهي تعيث بالعراق فسادا ولكن الأصعب في اللحظة كلها تجند العرب كلهم خلف الغازي الصليبي وخاصة نظم الخليج التي أسهمت في شرعنة الغزو الأمريكي وباشرت تسليم العراق لقمة سائغة للدولة الشيعية المتربصة؟
فما الذي تركته عملية غزو بغداد ومشاركة نظم الخليج فيه مع غيرها من تجمع الراغبين كما سماهم جورج بوش وذلك على المعادلة المنكسرة في المنطقة أصلا؟ إنها الآثار المُرّة التالية:
· كسرت عملية غزو بغداد آخر ما تبقى من حلقات النظام الأمني العربي المهلهل إذْ أخرجت العراق بكل ثقله من المعادلة السياسية والأمنية في المنطقة.
· وفتحت الباب واسعا لانتقال كل من المشروع الفارسي والمشروع اليهودي إلى عهد جديد ولكي يتناوشا في ظله سقوفا استراتيجية أعلى من ذي قبل وهو ما يؤهلهم للتمدد في كل الاتجاهات وأخطر النتائج في هذه المسألة تواصل الهلال الشيعي واكتمال حلقاته إيران فالعراق فسوريا فلبنان.
· وفتحت الجزيرة العربية على أعتى رياح التغيير الاستراتيجية والتاريخية دون أن تكون نظم الخليج قادرة على توفير حماية حقيقية لأقدس بقاع المسلمين ولا حماية ثروتها الاستراتيجية النفط.
· وجعلت إيران لاعبا متفردا في الإقليم مما يهدد بامكانية تجاوز إيران لكل الثوابت في المنطقة أو للمضي نحو تفاهم مع الأمريكان واليهود تضيع على هامشه كل مصالح العرب العليا.
· وفتحت الباب على مصراعيه لإعادة تشكيل المنطقة وتفتيتها سواء على أسس عرقية أو مذهبية.
· فتحت الأبواب على مصراعيها للتطبيع مع اليهود وهضم دويلة إسرائيل ضمن المنطقة وما ترتب على ذلك من فرض الأمريكان واليهود على النظم العربية بالتخلص من الجهاد الفلسطيني في الداخل وعليه جاءت مبادرة الأمير عبدالله بالاعتراف الكامل بوجود إسرائيل مقابل دولة منزوعة السلاح وقابلة للحياة فقط كما يصفها الغرب وقد تكامل أداء اليهود وأداء الأمريكان وأداء النظم العربية وعلى رأسها نظم الخليج لتحييد حماس والمجموعات الأخرى وإخراجهم من اللعبة فقامت إسرائيل بتصفية 90% من الصف العقائدي الحمساوي الأول ثم قام النظام العربي باختراق صفوف الماجهدين الفلسطينيين عبر إغرائهم بالموافقة على مبادرة الأمير عبدالله ودخولهم في انتخابات السلطة الفلسطينية التي تستمد شرعيتها من النظام الإسرائيلي ذاته! وتم ذلك بإشراف رمز غير عادي هو الرئيس الأمريكي كارتر والذي رعى من قبل اتفاقية كامب ديفيد! فكان حضورا رمزيا خطيرا، فلما تدخل حماس في القفص بكاملها قامت طائرات إسرائيل بدك غزة بأطنان من أخطر ما في الترسانة العالمية.
حربي إسرائيل ( لبنان وغزة 2006-2008 )
منذ أن رفرت رايات أحمدي نجاد وفوزه الكاسح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام2005م اتضح جليا أن شهر العسل الطويل ما بين المشروع الأمريكي والمشروع الفارسي قد انقضى وأن سنة الله عز وجل في تدافع المجرمين بعضهم ببعض قد دقت باسفينها بينهم ولا عزاء للحالمين في النظم العربية ونظم الخليج على وجه الخصوص التي نامت طويلا واستيقظت على انكشاف التقية الشيعية عن وجه خطير ومستولٍ على الاقليم من كل جوانبه.
وعندها بدأ الأمريكان والأوروبيون وربائبهم اليهود يعيدون ترتيب أوراقهم المهلهلة في منطقة الشرق الأوسط ولكن القطار قد فاتهم للأسباب التالية:
· قطعت إيران شوطا كبيرا في وضع يدها الثقيلة على مفاصل المنطقة العربية حتى غدت معادلة لا يمكن تغييرها عبر وسائل النظام الدولي الممزق.
· لعبت إيران على هواجس القوى الشرقية الصين وروسيا لعبا ممتازا ووضعت خدماتها في الجغرافيا السياسية بين أيديهما حتى إذا تبين للامبراطورين أن أمريكا لم تعد قادرة على أداء دورها القطبي الأحادي خرجا عن صمتهما وقالا لا ويالها من لا!
· وظفت إيران مشاركتها لأمريكا في غزو بغداد واستثمرت وضع الموالين لها في بغداد إلى آخر مدى فمتى سارت الأمور باتجاه استراتجيتها أمرت أولياءها العراقيين بتخفيف الضغوط وإذا تعقدت العلاقات بينها وبين أمريكا ضربتهم من خلال الخاصرة العراقية والعراق بالنسبة لأمريكا كالابن العاق طعامه من أمريكا وولاؤه لإيران.
· مارست كلا من إيران وأمريكا لعبة القط والفأر في كل مواقع التمدد الشيعي في الإقليم وكانت أوضح تلك المواقع لبنان بعد العراق ولم تفلح كل ألاعيب أمريكا في تقليص حجم النفوذ الإيراني في لبنان فكان التدخل اليهودي بما سمي حرب تموز عام2006م وخروج سوريا من لبنان ومقتل الحريري قبل ذلك ولكن دون ان ينتصر طرف على طرف ونظم الخليج هي الممولة لكل تلك المسرحيات.
· لم يفلح عسل السلطة الفلسطينية في انتزاع حماس من أحضان إيران وإخراجها عن مسارها الجهادي فتدخلت الآلة العسكرية اليهودية مرة أخرى لكسر المعادلة وفرض الشروط وإذا كان الدفع من الدم العربي والمال العربي فمن يهتم في هذا العالم؟
· وأخيرا جاء الأداء الجهادي في العراق وأفغانستان متسقا مع سنن التدافع وكسر المعادلات الدولية فقد أديا إلى ضعضعة المارد الأمريكي وكشف قدرته الحقيقية على النزال، كما أدى الإنفاق الأمريكي الهائل على الحربين إلى انكشاف مالي خطير حتى تدحرجت كرة الثلج في النظام المالي العالمي المتشابك لكي تنهار أسواقه المالية في زلزال لم تشهد له الدنيا مثيل، وكعادة نظم الخليج تسارع لإنقاذ السادة وتضع الصناديق السيادية تحت التصرف لكي تخفـف من حدة الخسائر وتدفع بورصات الخليج نصيبها المستحق أيضا.
ثالثا: نظم الخليج والربيع العربي؟
وكما أذن الرب تباركت أسماؤه بتدافع فارس والروم على عهد النبوة ثم أذن عز وجل بخروج العرب على غير ميعاد لا في التاريخ ولا في الجغرافيا وتقدمهم نحو هدم النظم المستقرة في الأرض لقرون خلت، فكذلك خرجت أجيال العرب المحدثون لكي تزيد من حيرة العالم والمراقبين فجماهير لا تملك قوت يومها تصطف لكي تواجه أعتى ما زرعه البريطانيون والفرنسيون ورعاه الأمريكون بعد ذلك من نظم قمعية في مشهد حبس أنفاس البشرية وفي مدة زمنية محدودة إذا بفراعنة العرب تحت الأقدام.
وفي معرض محاولة الوقوف على دور نظم الخليج في التعاطي مع الربيع العربي يمكننا أن نلاحظ ما يلي:
· لا تخلتف التركيبة البنيوية لنظم الخليج عن نظم العرب عموما إلا أن إشباعهم للبطون يُـشهد له كما شهد الناس من قبل لحاتم الطائي، وأما القواسم المشتركة بين النظم السياسية العربية فلا تخطؤها العين وأخطرها موالاة أعداء المسلمين ولكن ضعف البنية العلمية والفكرية في منطقة الخليج لم تكن لتسمح بالحراك الثقافي والسياسي كما هو الحال في العراق ومصر والشام وشمال إفريقيا فلم تضطر نظم الخليج لممارسة القمع الأمني والفكري بنفس الدرجة التي مارستها الأنظمة العربية الأخرى ولكن التحول الأخطر حدث مع محاولات أمريكا سد الفراغ الدولي الناتج عن سقوط الاتحاد السوفيتي وقبول دول الخليج لممارسة أدوار قوية ومباشرة لدعم الامبراطور الأمريكي وهكذا تسربت نفس السياسات الأمنية المطبقة عند بقية النظم العربية منذ عام 1991م.
· كما أفزعت الثورات العربية أمريكا فإنها بلا شك أفزعت وبدرجة أكبر مواليها من نظم الخليج وتحت ضغط التحولات الثورية سارعت أمريكا لتوظيف امكانات نظم الخليج في إدارة وتوجيه (أزمة) الثورات العربية وقد عملت أنظمة الخليج على عدة مسارات للتعامل مع الثورات العربية فكان مسار التعطيل الكامل في بداية الأمر فلما لم تفلح المحاولات انتقل الأمر إلى الإدارة الأمنية والسياسية والإعلامية وكانت أوضح المشاركات وأوقواها ما تمثل في المبادرة الخليجية لتبريد وإدارة الثورة اليمنية والتي تشكل تهديدا مباشرا لنظم دول الخليج من المنظور الأمريكي والمنظور الخليجي معا.
· وتدخلت دول الخليج في إدارة الثورة الليبية عبر كل المسارات السياسية والأمنية والإعلامية وجاء تدخلها مستظلا بالسياسة الأمريكية التي استبقت الأحداث وسجلت تدخلا في توجيه الثورة الليبية بدلا من التفرج عليها كما كان الحال في الثورة التونسية والمصرية ويعد نجاح الفرق العاملة تحت الإشراف الأمريكي في نتيجتين رئيسيتين الأولى تقديم كباش الفداء (حسني بن علي صالح) والحفاظ على أصل النظام السياسي في كل من تونس ومصر واليمن والأصل هنا المرجعية الأمنية والعسكرية للنظام، وأما النجاح الثاني فتمثل في تبريد الثورة الليبية وسوقها إلى حيث تشتهي الإدارة الأمريكية والأوروبية.
· وكان الأمر مغايرا في التعامل مع الثورة السورية إذ أنها متعلقة بالملف الإيراني فلم يكن لنظم الخليج إلا أن تستجيب للاستراتيجية الأمريكية في إدارة الأزمة السورية وهي تسير على مسارين أساسيين، المسار الأول: استثمار الثورة السورية في تمتين الشرعية في عيون جماهير الأمة من خلال طرح نظم الخليج نفسها كحامية ومدافعة عن أهل السنة تجاه التغول والتهديد الشيعي وهي التي سلمت العراق لقمة سائغة لهم من قبل! وأما المسار الثاني: فهو استثمار الأزمة السورية لتحسين شروط التفاوض مع إيران وإعادة إنتاج أمريكا لدورها العالمي المميز ولهذا وجدنا الأزمة تراوح في مكانها حيث لا بواكي لأهل الشام في ردهات الأمم المتحدة والنظام العربي عدا البكاء في القنوات الفضائية.
وقد أوقعت نظم الخليج نفسها في ورطة كبيرة هذه المرة فالنظام الدولي قد حدث فيه تحول خطير جعل أمريكا تخضع للفيتو الروسي الصيني المشترك وهو ما يجعل إيران في وضع مرتاح لإدارة الأزمة كما أن اصطفاف نظم الخليج المباشر في خانة أعداء إيران يجعلها أول المواقع المستهدفة من قبل إيران في حال خرجت الأمور عن السيطرة، ولهذا فإيران تستخدم الحراك الشيعي في البحرين لكي تفاوض به دول الخليج فيما يخص موقفها من الثورة السورية فأصبحت كبالع الموس.
· ومما يهدد واقع دول الخليج خاصة أصحاب الوزن الثقيل نسبيا وهي السعودية وعُمان أنها لم تتمكن من تفهم ولا إدارة أسباب الربيع العربي التي تمتد لكي تتجاوز الحدود ومن أهمها انعدام أدنى مستويات الحقوق والمشاركة الشعبية وغياب الشفافية في إدارة الشعوب ووصول الأخطار الاستراتيجية حدا يهدد الوجود الكلي لهذه المجتمعات يقابل ذلك ممارسات خجولة لا تمت للتطورات بصلة فيما يخص محاولة نظم الخليج في امتصاص التحولات أو مواجهة الأخطار كما هو موضوع إعلان اتحاد يجمع دول الخليج.
رابعا: الأسئلة الأشد إلحاحا؟
السؤال المُـلحّ الأول: هل بوسع نظم الخليج أن تعيد بناء الثقة بينها وبين شعوبها خاصة الأجيال الجديدة وأن تغير من مرتكزات معادلة النظم العربية بشعوبها والتي امتدت لعقود خلت لكي تستخدم ناتج هذه العلاقة الجديدة في مواجهة الأخطار والاستحقاقات التاريخة التي وصلتها بأقدامها وبما جنته أيديها؟ وهل بقي من عمر الأنظمة وزمن التحولات ما يسمح بالقيام بهذا الدور؟
السؤال المُـلحّ الثاني: هل تملك نظم الخليج من الأدوات الفكرية الاستراتيجية ومن الرؤية التاريخية العقدية ما يؤهلها للتعامل مع التطورات العالمية والاقليمية باتجاه مصلحة الشعوب فضلا عن مصلحة الأمة ككل؟ وهل تملك القدرة على تجاوز العداوات البينية فيما بينها أصلا؟
السؤال المُـلحّ الثالث: هل بإمكان نظم الخليج أن تعيد إنتاج وتجديد نظامها السياسي حتى تتلاقى مع متطلبات التغيير في الأمة وفي العالم وهل تنبيء هيكلتها الحالية بقدرة وبأمل للقيام بهذه المهمة؟
السؤال المُـلحّ الرابع: هل بإمكان نظم الخليج أن تخرج من دائرة الهيمنة الغربية والتوظيف في الفناء الأمريكي الخلفي لكي تتلاقى مع متطلبات الشعوب والأمة بالانعتاق من هذه الهيمنة؟
السؤال المُـلحّ الخامس: هل بامكان نظم الخليج بعد أن فرطت ولمدة عقود في أن تعيد صياغة المنطقة بشعوبها وبمقدراتها لكي تواجه التحديات العالمية والاستحقاقات التاريخية؟ فضلا عن أن تشرك بقية الشعوب العربية معها لمواجهة تلك التحديات؟
(والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)الآية،،، 26/4/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق